لا تجعل راحتك على تعب الآخرين – ج1
بقلم قداسة البابا شنوده الثالث
ما أكثر الخطايا التى يقع فيها من يبنى راحته على تعب الآخرين... وسنضرب لذلك أمثلة عديدة منها:
1- من يقيم حفلة ساهرة صاخبة، بميكروفونات تنقل الصوت عالياً عبر عدة شوارع...
ويستمر على ذلك إلى ما بعد منتصف الليل فى لهو وغناء وضوضاء. ولا يبالى فى كل ذلك بشعور غيره ولا بمصلحته! فالمحتاج إلى نوم لا يستطيع أن ينام. والتلميذ لا يستطيع أن يذاكر. والمريض يزعجه الصوت، وربما يكون قد تناول حبوباً منومة تفقد مفعولها. وباقى الناس تفقد حريتهم فى الكلام وفى القراءة وفى الاستمتاع بوقتهم... ولكن صاحب الحفلة مسرور بحفلته، وغير عابئ بتأثيرها على غيره!
* ومثال ذلك أيضاً: من يفتح راديو أو ترانزستور فى أتوبيس أو قطار... هو يريد أن يسمع ولا يهمه غيره...
2- مثال آخر: من يجد لذته فى التهكم و الضحك على غيره...
فيتخذ ذلك الشخص مجالاً للسخرية والتفكه والتسلية، غير مبال بجرح مشاعره, جاعلاً السامعين يشاركونه فى جعل ذلك الإنسان أضحوكة لهم.. وبخاصة إن كان لا يستطيع الدفاع عن نفسه، أو يحتشم من ذلك لأن الذى يستهزئ به أكبر منه سناً أو مقاماً...
هذا الساخر إنما يحاول أن يجد راحته فى تعب غيره نفسياً
3- كذلك من يدخن سيجارة, وبجواره من يكره رائحتها...
ينفخ دخانها فى وجهه أو فيما حوله. ولايهمه أن غيره يكاد يختنق من رائحة الدخان, وبخاصة لو كان ذلك فى مكان مغلق! ونشكر الله أن كثيراً من شركات الطيران تمنع التدخين داخل الطائرة... ونلاحظ أن زوجات كثيرات يتعبن من أزواجهن المدخنين الذين يعكرون جو البيت كله برائحة دخانهم...
* يدخل تحت بند التدخين أيضاً المصانع التى تلوث الجو بالدخان، وتؤذى صحة الإنسان.. وكذلك العربات التى تنفث فى سيرها دخاناً.
4- مثال آخر: من يتعب غيره بمكالمات تليفونية قد تطول...
يطلب غيره تليفونيا فى أى وقت. وقد يكون ذاك نائماً, أو على مائدة الطعام, أو عنده ضيوف, أو يكون منشغلاً بعمل هام يجب أن يقوم به.. ويظل هذا الشخص يتكلم ويتكلم, دون أن يسأل هل الذى يسمعه لديه وقت لسماعه أم لا؟ بينما اللياقة تقتضى أن يسأل..!
5- وبنفس الوضع، الحكم على بعض الزيارات...
انسان يزور صديقاً أو قريباً له على غير موعد، دون أن يتأكد هل هذا الصديق مستعد لأستقباله ام لا! ولكنه يدخل ويجلس ويتكلم. وقد تطول الجلسة, وصاحب البيت يخجل من أن يقول له أنه مُنشغل, أو كان على وشك الخروج لمهمة معينة أو موعد مع آخرين... ويكون هذا الضيف وهو جالس فى بيت صاحبه, إنما هو جالس على أعصابه!
وما أصعب مثل هذه الزيارات إن كانت خلال أيام الأمتحانات، ويعلو فيها الصوت، والطلبة الذين فى البيت يحتاجون إلى هدوء.. ولكن هؤلاء الضيوف يحاولون أن يجدوا راحتهم, ولو على تعب غيرهم!
6- أيضاً هناك اشخاص يريدون أن يتكلموا, وربما فى موضوعات لا يستريح لها سامعوها..!
وقد يتحدثون عن أسرار أناس آخرين, أو مشاكل معينة, أو أخطاء قد حدثت, أو يفتحون أذهان سامعيهم لمعرفة أمور جديدة عليهم من الخير لهم أن لا يعرفوها.. ولكنهم يريدون أن يتكلموا, ولو أتعبوا السامعين, ولو صبوا فى آذانهم معلومات مؤذية, ولو أتلفوا أفكارهم..!
وقد يحاول السامع أن يهرب, ولكنهم يضغطون بالكلام لأنه يجدون متعتهم فى الحديث, شاء السامع أن يسمع أم لم يشأ! هذا بالأضافة إلى إضاعة وقته..
7- كذلك من يضغط على غيره, إنما يبحث عن راحة هو بتعب الغير..
وقد يكون هذا الضغط على إرادته, لكى ينفذ ما لا يريد! وربما يُستخدم فيه أحياناً الإلحاح المتعب الذى يشكل ضغطاً على أعصابه وعلى اُذنيه, وقد يكون الضغط مباشراً أو عن طريق وسطاء. أو قد يكون ضغطاً على ضميره بلون من التهديد... المهم أن يصل هذا الشخص إلى تحقيق غرضه بالضغط أو بضغوط. ولا يهمه مطلقاً شعور من يضغط عليه, ولا تعب أعصابه أو تعب ضميره, وتعب فكره وتعب ارادته, ومقدار الوقت الذى تستغرقه الضغوط...
8- هناك أشخاص آخرون يستريحون نفسياً عن طريق الشكوى والبكاء, ويشركون غيرهم فى آلامهم باستماع مشاكلهم ومتاعبهم وأحزانهم...
ولو حدث ذلك مرةً أو فى أحدى المناسبات, لكن ممكناً الإحتمال بشعور المشاركة الإجتماعية.. ولكن ماذا عن أشخاص تعودوا الشكوى والبكاء والنكد..؟! فما أن يقابلوا حتى ينفتح ريكوردر الشكوى والحزن والتعب والبكاء إلى غير ما لا نهاية! ومهما حاول السامع أن يخفف عنهم لا يستطيع. ويزداد الأنين والتعب, وربما لغير سبب أو لسبب تافه, أو بحديث متكرر وبلا نتيجة! المهم أنه يريدون أن ينفسوا عن أنفسهم, ولو تعب سامعوهم... نصيحتى لمثل هذا الشاكى أن ينظر إلى ملامح سامعه.. ويرى هل تعب أو ضجر؟ وهل من الممكن أن يكمل كلامه أم لا...
ما أكثر الذين يفقدون أصدقائهم ومعارفهم, بمداومة الشكوى والبكاء...
9- نقطة أخرى هى التبرج:
إنسانة تقف طويلاً أمام المرآة قبل أن تخرج من منزلها. ولا تفارق المرآة حتى ترضى تماماً عن نفسها وأنها صارت فى منتهى الجمال والفتنة, وأن كل من يراها لابد سيعجب بها! ولا يهمها فى كل ذلك أنها قد توقع غيرها فى شَرك. بل كل راحتها النفسية أن تكون موضع الإعجاب, ولو تعب الذين يعجبون بها! نصيحتى لها: لا تجعلى محبة الذات تقودك, بل اهتمى أن لا تكونى عثرة لأحد...
10- نقطة مشابهة, مع اختلاف فى التفاصيل: وهى بعض المُتزينات فى الحفلات:
إنسانة تريد أن تكون الأولى فى إحدى الحفلات. وقد تحضر حفل عُرس, وتحاول أن تكون أجمل وأشيك من العروس نفسها! فتلبس ملابس فوق مستوى الكل, وتتحلى بحلىّ لا تتحلى به إمرأة أخرى. تريد أن تجذب إنتباه الكل, ولو ألغت وجود غيرها! حتى ولو أتعبت باقى النساء وشعرن بصغر نفس وبضآلتهن إلى جوارها! هذه أيضا تبحث عن راحتها بتعب الآخريات.
وإن ناقشها أحد فى ذلك, ترد قائلة "إنها حفلة, ويجب أن أهتم فيها بأناقتى".
نعم، ولكن فى حدود المعقول, ودون إثارة الغيرة, ودون الدخول فى مقارنات. اليس فى الحفلة ما يناسب مستوى المشتركات فيها, بأناقة معقولة..